الأصل الذي خلقوا منه

الأصل الذي خلقوا منه

لقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الجن خلقوا من نار، وهذه النصوص هي المعتمدة .
قال سبحانه وتعالى: ﴿وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ﴾ ، وقد قال ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، والحسن وغير واحد في قوله : ( مَّارجٍ من نَّارٍ ) : طرف اللهب ، وفي رواية : من خالصه وأحسنه  : وقال النووي في شرحه على مسلم : " المارج : اللهب المختلط بسواد النار " .

ويذهب سيد قطب إلى أن المراد بالمارج  : المشتعل المتحرك كألسنة النار مع الرياح .

ويقول سبحانه وتعالى كذلك على لسان إبليس : ﴿أَنَاْ خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ .

لكن قد يقال كيف يعتبر قول إبليس حجة ودليلاً مع كذبه وكفره وعصيانه؟
وأرى أن الدليل ليس في قوى إبليس ذاته ولكن في إقرار الله له، والله عز وجل لا يقر أحداً على باطل .

ويقول سبحانه وتعالى كذلك: ﴿وَالْجَآنَّ خَلَقْناهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ
قال فخر الدين الرازي: معنى السموم في اللغة:  الريح الحارة تكون بالنهار وقد تكون بالليل وعلى هذا فالريح الحارة فيها نار ولها لفح وأوار، سميت سموماً لأنها بلطفها تدخل في مسام البدن وهي الخروق الخفيةالتي تكون في جلد الإنسان يبرز منها عرقه وبخار باطنه   . 

إضافة إلى هذه الآيات القرآنية جاءت السنة النبوية كذلك مشيرة إلى الأصل الذي خلق منه الجن  .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم " .  صحيح مسلم بشرح النووي.

هذه النصوص تغنينا عن الخوض والبحث في الأصل الذي خلق منه الجن بطرح احتمالات وافتراضات تمزق فكر الإنسان
لأن هذه المسألة من القضايا التوقيفية التي لا مجال للاجتهاد فيها.
فالنصوص السابقة تثبت أنه خلق من نار.
 

وهنا قد يثار سؤال


هل بقي الجن على ناريته التي خلق منها أم تحول عنها؟
الحقيقة أن الجن ليس ناراً وإنما أضاف الله سبحانه الجن إلى النار ، كما أضاف الإنسان إلى التراب والطين، فالإنسان أصله من طين وهو ليس طين صرف، وإنما هو كائن حي به روح وله عقل وفيه عروق وأعصاب ولحم وعظم ، كذلك الجن أصله نار لكن تحول عن أصله، يدلنا على ذلك الأحاديث التالية:

فعن يحيى بن سعيد أنه قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى عفريتاً من الجن يطلبه بشعلة من نار كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال له جبريل: أفلا أعلمك كلمات تقولهن، إذا قلتهن طفئت شعلته وخر لفيه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى، فقال جبريل: قل أعوذ بوجه الله الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برّ ولا فاجر ومن شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وشر ما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار وطوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمان﴾ ( الموطأ / 825) .
 
فلو كان الجن باقين على عنصرهم الناري وأنهم نار حقيقية محرقة لما احتاج هذا العفريت أن يأتي بشعلة من النار كما جاء في الحديث.

وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسمعناه يقول: أعوذ بالله منك ثم قال: ألعنك بلعنة الله ثلاثاً وبسط يده كأنه يتناول شيئاً فلما فرغ من الصلاة قلنا:يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله من قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك .
قال : " إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثلاث مرات ، ثم أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة"  .
 
فهذا الحديث يثبت لنا بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الشيطان احتاج إلى النار ليجعلها في وجه النبي صلى الله عليه وسلم وأن ذاته ليست ناراً

وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه فجاء فقال : " يا فلان هذه زوجتي فلانة " فقال : يا رسول الله من كنت أظن به فلم أكن أظن بك، فقال رسول الله: " إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ".
 
قال القاضي وغيره: قيل هو على ظاهره وأن الله تعالى جعل له قوة وقدرة على الجري في باطن مجاري دمه وقيل هو على الاستعارة لكثرة إغوائه ووسوسته فكأنه لا يفارق دمه وقيل يلقي وسوسته في مسام لطيفة من البدن فتصل الوسوسة إلى القلب .

فلو بقيت الجن والشياطين على ناريتهم لأحرقت الإنسان إذا مسته أو اقتربت منه كما تحرق النار الحقيقية الإنسان بمجرد لمسها .
بل أكثر من ذلك لو بقي الجن على ناريتهم لما استطاعوا العيش في البحار كما يعيشون في البر، فهناك نوع من الجن يسمى الجن الغواص له ممالك في البحار .

إبليس يضع عرشه على الماء :

فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إبليس يضع عرشه على الماء ..."  صحيح مسلم.

قال القاضي أبو بكر الباقلاني : ولسنا ننكر مع ذلك يعني أن الأصل الذي خلقوا منه النار أن يكثفهم الله تعالى ويغلظ أجسامهم ويخلق لهم أعراضاً تزيد على ما في النار فيخرجون عن كونهم ناراً ويخلق صوراً وأشكالاً مختلفةً . أحكام الجان/ الشبلي ص:29.

اكتب تعليق

أحدث أقدم