الآداب النبوية للرؤيا المنامية


الآداب النبوية للرؤيا المنامية

جٌبلت النفوسُ على حب الاستطلاع ومحاولةِ معرفةِ الغيبِ المنتظر والغد المؤمَوّل؛ ولهذا فُتن البعض بالذهاب إلى الكهان والمنجمين يلتمسون منهم كشفَ ما غُيّب، وإظهار ما حُجب، وهيهات أن يستطيعوا ذلك! فالغيب لله وحده: {عَالِمُ الغيْبِ فلا يُظهِرُ علَى غَيْبِهِ أَحَدَاً * إلَّا مَن ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} (الجن:26-27) .

 وقال - تعالى -: {قُلْ لا يَعْلمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والأرضِ الغيبَ إلا اللهُ } .

وأحياناً قد يَعْلَم الإنسان عن أمور ستجري أو بشاراتٍ ستحصل بطريق الرؤيا .

إن الرؤى الصالحة لا تنكر، لكن ما ينبغي الإسراف فيها ولا التعويل على كل ما يراه الإنسان في نومه، فقد يكون رؤيا صالحة، أو حلما من الشيطان، أو حديث نفس، على أن لا يعول على المنامات في اتخاذ القرارات المصيرية، ولا أن ينبني عليها حكم شرعي، وهي في حياتنا كالملح في الطعام.

ويكفينا من أهمية الرؤيا أن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قول الله- تبارك وتعالى -: { لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياة الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ }، وقال: "هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له"  .

وهذا إبراهيمُ الخليل -عليه السلام- عزم على ذبح ابنه من أجل رؤيا رآها، وينقادُ إسماعيل -عليه السلام-: { قَال يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرى في المنامِ أَنِّي أذْبَحُكَ فانْظُرْ ماذَا ترى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُني إنْ شَاءَ اللهُ مِن الصَّابِرِينَ}  )الصافات:102(. ورؤيا الأنبياء وحي.

وهذا نبي الله يوسف عليه السلام ورؤياه العجيبة ، ورؤيا السجينين معه وتأويل يوسف لها  ، ورؤيا العزيز وتأويل يوسف عليه السلام لها بسنين القحط ، ثم الرخاء .

وهذا رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- رأي ليلةَ غزوةِ بدرٍ الكفار وهم قلّة لتشجيع المؤمنين على القتال كما ذُكر ذلك في سورة الأنفال.

الرؤي ثلاثة أقسام :

والرؤيا المنامية لها مكانةٌ في الاسلام وهي أنواع ثلاثة : رؤيا صالحة ، ورؤيا من الشيطان ، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه ، والناس ما بين الثلاثة رؤي ما بين افراط وتفريط ، والمعبرون كذلك ، منهم المتعجل ومنهم المتأني ، والعالم والجاهل .

وهناك من الناس من طغى عليه جانب الرؤيا فصار كلما رأي في منامه شيئاً ذهب يسأل عنه حتى إذا كان أضغاث أحلام .

وهناك من ينظر إلي الرؤيا نظرة تهوينٍ وإهمال، وهذا خطأً فادح ، فالرؤيا هي آخر ما تبقي من النبوة قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة (  .

وفي حديث آخر : (ولم يبق من النبوة الا المبشرات )  .

وفي صحيح مسلم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا يراها العبد الصالح أو ترى له) ، أي أن الوحي قد انقطع بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يبقى ما يُعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا.

 ولقد بلغ من اهتمامه -صلى الله عليه وسلم- بالرؤيا أنه يقول لأصحابه بعد صلاة الصبح: ( هل رأى أحد منكم رؤيا؟) ، كما في الصحيحين، فيعبرها لهم.

وتنقسم الرؤيا الي ثلاثةَ أقسام: رؤيا صالحة، وتحزين شيطان ، وحديث نفس .

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الرؤيا ثلاثة: الرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزينٌ من الشيطان، ورؤيا مما يحدّث المرء نفسه" رواه البخاري ومسلم وهذا لفظه.

 وعن عوف بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويلُ من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يَهُمُّ به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءاً من النبوة" .

ومن أهاويل الشيطان: تلاعبُهُ بالإنسان في منامه :

روي مسلم في صحيحه  أن أعرابياً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، رأيتُ في المنام وأن رأسي ضرب فتدحرج فاشتددتُ على أثره ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- للأعرابي :   " لا تحدّث الناسَ بتلعّب الشيطان بك في منامك" .

وقال جابر بن عبد الله  - رضي الله عنه - : سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدُ يخطبُ فقال :  " لا يحدثنَّ أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه"

قال تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادلة: 10]، فمن أهم مقاصد الشيطان مع الإنسان أن يحزنه في نومته، كما يحزنه في يقظته، ومن ذلك الكوابيس والأحلام المزعجة.

ما هي الآداب التي يفعلها من رأى في منامه شيئاً؟

وهناك آداب يسن لمن رأى ما يكره أن يفعلها، ففي البخاري ومسلم أيضاً عن أبي سلمة قاللقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول: وأنا كنت أرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( الرؤيا الحسنة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان، وليتفل ثلاثاً، ولا يحدث بها أحداً فإنها لن تضره. (

وفي رواية: "وليتحول عن جنبه الذي كان عليه".
وفي رواية عند مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإن رأى أحدكم ما يكره، فليقم فليصل ".

فمن فعل هذه الأشياء عندما يرى ما يكرهه، وهي:
1 ــ الاستعاذة بالله من الشيطان، ومن شر الرؤيا.

2 ـ النفث عن يساره ثلاثاً.
3 ـ التحول عن الجنب الذي كان عليه إلى جنبه الآخر.

4ـ  يقوم فيصلي لله تعالى ركعتين أو أكثر.

5 ـ  لا يحدث بها أحداً.

فهي لن تضره الرؤيا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم مهما كانت مفزعة ومقلقة.

ولذا روى مسلم عن أبي سلمة رحمه الله قال: " إني كنت لأرى الرؤيا أثقل علي من جبل، فما هو إلا أن سمعت بهذا الحديث فما أباليها" .

التحذير من الكذب في الرؤيا :

فعن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من تحلّم بحٌلم لم يره كُلف أن يعقد بين شعرتين ولن يفعل، ومن استمع على حديث قومٍ وهم له كارهون، أو يفرون منه صب في أذنه الآنك يوم القيامة، ومن صور صورةً عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ" أخرجه البخاري.


وفيه أيضاً من حديث أبن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مِن أفرى الفرى أن يري عينه مالم تر".

ماذا يفعل من يريد أن تصدق رؤياه ؟

قال ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين: "ومن أراد أن تصدق رؤياه فليتحرّ الصدق، وأكل الحلال، والمحافظة على الأوامر والنواهي، ولينم على طهارة كاملة، مستقبلا القبلة، ويذكر الله حتى تغلبه عينه، فإن رؤياه لا تكذب البتة، وأصدق الرؤيا ما كان بالأسحار، فإنه وقت النزول الإلهي، واقتراب الرحمة والمغفرة، وسكون الشياطين".

 

 

 

 

 


اكتب تعليق

أحدث أقدم