تابع أذكار تفريج الكرب والبلاء


تابع أذكار تفريج  الكرب والبلاء

عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو عند الكرب : " لا إله إلا الله الحليم الحكيم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش الكريم " . ( متفق عليه ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ( قَوْلُهُ : " كَانَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ " أَيْ عِنْدَ حُلُولِ الْكَرْبِ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ " كَانَ يَدْعُو بِهِنَّ وَيَقولُهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ " وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ " كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ " وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ أَيْ هَجَمَ عَلَيْهِ أَوْ غَلَبَهُ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ " لَقَّنَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَأَمَرَنِي إِنْ نَزَلَ بِي كَرْبٌ أَوْ شِدَّةٌ أَنْ أَقُولَهُا " .
قوْلُهُ"  : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ " وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا بِلَفْظِ " : وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ "
قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْحَلِيمُ الَّذِي يُؤَخِّرُ الْعُقُوبَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْعَظِيمُ الَّذِي لَا شَيْءَ يَعْظُمُ عَلَيْهِ وَالْكَرِيمُ الْمُعْطِي فَضْلًا .
وَقَالَ الطِّيبِيُّ : صَدَّرَ هَذَا الثَّنَاءَ بِذِكْرِ الرَّبِّ لِيُنَاسِبَ كَشْفَ الْكَرْبِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى التَّرْبِيَةِ وَفِيهِ التَّهْلِيلُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى التَّوْحِيدِ وَهُوَ أَصْلُ التَّنْزِيهَاتِ الْجَلَالِيَّةِ وَالْعَظَمَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى تَمَامِ الْقُدْرَةِ وَالْحِلْمُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ إِذِ الْجَاهِلُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ حِلْمٌ وَلَا كَرَمٌ وَهُمَا أَصْلُ الْأَوْصَافِ الْإِكْرَامِيَّةِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْكَرِيمُ الْعَظِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَفِي لَفْظِ " الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ " فِي الْأَوَّلِ وَفِي لَفْظِ : " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ " .
وَفِي لَفْظِ : " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " أَخْرَجَهَا كُلَّهَا النَّسَائِيُّ .
وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ قَالَ : كُنْتُ بِأَصْبَهَانَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ أَكْتُبُ الْحَدِيثَ وَهُنَاكَ شَيْخٌ يُقَالُ لَهُ  : أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ مَدَارُ الْفُتْيَا فَسُعِيَ بِهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَسُجِنَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ وَجِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ بِالتَّسْبِيحِ لَا يَفْتُرُ فَقَالَ لِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : قُلْ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ عَلِيٍّ يَدْعُو بِدُعَاءِ الْكَرْبِ الَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ حَتَّى يُفَرِّجَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : فَأَصْبَحْتُ فَأَخْبَرْتُهُ فَدَعَا بِهِ فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى أُخْرِجَ انْتَهَى
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ " الْفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّةِ " لَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ : كَتَبَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانَ انْظُرِ الْحَسَنَ بْنَ الْحَسَنِ فَاجْلِدْهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ وَأَوْقِفْهُ لِلنَّاسِ قَالَ : فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَجِيءَ بِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَقَالَ:  يَا ابْنَ عَمَّ تَكَلَّمْ بِكَلِمَاتِ الْفَرَجِ يُفَرِّجِ اللَّهُ عَنْكَ , فَذَكَرَ حَدِيثَ عَلِيٍّ بِاللَّفْظِ الثَّانِي ، فَقَالَهَا فَرَفَعَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ رَأْسَهُ فَقَالَ أَرَى وَجْهَ رَجُلٍ كُذِبَ عَلَيْهِ خَلُّوا سَبِيلَهُ فَسَأَكْتُبُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِعُذْرِهِ فَأَطْلَقَ .
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ : لَمَّا زَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ابْنَتَهُ قَالَ لَهَا : إِنْ نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ فَاسْتَقْبِلِيهِ بِأَنْ تَقُولِي " :  لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " .
قَالَ الْحَسَنُ : فَأَرْسَلَ إِلَيَّ الْحَجَّاجُ فَقُلْتُهُنَّ فَقَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَكَ فَلَأَنْتَ الْيَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا وَزَادَ فِي لَفْظٍ فَسَلْ حَاجَتَك ) .
                 ( فتح البارى شرح صحيح البخارى كتاب الدعوات لابن حجر  )
قال المباركفوري : ( قوله " كان يدعو عند الكرب " أي عند حلول الكرب وهو بفتح الكاف وسكون الراء بعدها موحدة ، أي الغم الذي يأخذ النفس . كذا في " الصحاح "
 وقال الحافظ : هو ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه " لا إله إلا الله الحليم " هو الذي يؤخر العقوبة مع القدرة " الحكيم " أي ذو الحكمة وهي كمال العلم وإتقان العمل ، أو فعيل بمعنى الفاعل فهو مبالغة الحاكم ، فإنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه ، أو بمعنى المفعل أي الذي يحكم الأشياء ويتقنها " لا إله إلا الله رب العرش العظيم " بالجر على أنه نعت للعرش عند الجمهور .ونقل ابن التين عن الداوودي أنه رواه برفع العظيم على أنه نعت للرب وكذا الكريم في قوله " رب العرش الكريم " ووصف العرش بالكريم أي الحسن من جهة الكيفية فهو ممدوح ذاتا وصفة .
 وفي قوله : رب العرش العظيم وصفه بالعظمة من جهة الكمية . فإن قيل هذا ذكر وليس فيه دعاء . فجوابه من وجهين مشهورين :
أحدهما : أن هذا الذكر يستفتح به الدعاء ثم يدعو بما شاء .
والثاني : جواب سفيان بن عيينة ، فقال : أما علمت قوله تعالى : " من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " .
 ( قال الألباني حديث ضعيف ، انظر ضعيف الجامع 6435 ، ضعيف الترمذي 562- المشكاة 2136- السلسلة الضعيفة 1335 ) انتهى .
 قلت : ويؤيد الأول رواية أبي عوانة فإنه زاد في مسنده الصحيح : ثم يدعو بعد ذلك ) .
                                          ( تحفة الأحوذي - باختصار - 9 / 277 -278 )

قال النووي - رحمه الله - : ( قوله " حزبه أمر " أي : نزل به أمر مهم ، أو أصابه غم ) 
                                       ( الأذكار - ص 164 ) .
وقال أيضا : ( هو حديث جليل ينبغي الاعتناء به والإكثار منه عند الكرب والأمور العظيمة .
قال الطبري : كان السلف يدعون به ، ويسمونه دعاء الكرب ) .
  ( صحيح مسلم بشرح النووي - 16 ، 17 ، 18 / 208 ) .

اكتب تعليق

أحدث أقدم