العين حـــــــق للشيخ سعود الشريم


 العين حـــــــق
للشيخ سعود الشريم

وقد دل الكتاب والسنة على أن العين حق، وقد ضل في ذلك أقوام، وجهل آخرون في دمغهم لها بمخالفات شرعية.
ومن أعظم ما يزيل العين والسحر -بإذن الله- الرقية الشرعية من الكتاب والسنة.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }  (آل عمران:102) .
 { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  ( النساء:1).
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداًيُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } (الأحزاب:70-71) .
أما بعـد:
فاتقوا الله أيها الناس: اتقوا ربكم وراقبوه في السر والعلن، فبتقوى الله عز وجل تصلح الأمور، وتتلاشى الشرور، ويصلح للناس أمر الدنيا والآخرة.

أيها الناس! الحسد والتحاسد مجمع الآفات، ومستنقع الشرور والرذائل، إذ ما دخل الحسد في شيء إلا شانه، ولا نزع من شيء إلا زانه، وإن انتشار مثل هذه اللوثة المذمومة في أوساط الناس لأمرٌ مؤذن بعواقب وخيمة، وأضرار جسيمة، ولو لم يكن من ذلك إلا التباغض والتدابر والتشاحن والتناحر، بلها الغيبة والنميمة، والأشر والبطر.
وإن من سهام الناس القاتلة التي تمرق من رمية الحسد هي: الإصابة بالعين وما أدراكم ما الإصابة بالعين!
إنها نظر باستحسان مشوبٍ بحسد من خبيث الطبع، يحصل للمنظور منه ضرر، يقال: أصابت فلانٌ عينٌ إذا نظر إليه عدوٌ أو حسود، فأثرت فيه فمرض بسببها.
لذلكم -عباد الله- بيَّن أهل العلم حقيقة العين، وبها تعلمون أن العين إنما هي جمرة مضرمة من حطب الحسد، ابتلي بها الكثيرون على حين غفلة من الأوراد الشرعية التي هي حروز أمينة، وحصون مكينة، فتناثرت جثث وهام، وتردت نفوس، وتهالكت أجسادٌ من جُرها.
ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: " أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين " رواه البخاري في تاريخه ، و البزار في مسنده وهو حديث حسن.......
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعيعباد الله! العين حقٌ لا ممارات فيها ثابتة بالكتاب والسنة، وبواقع الأمم المتكررة.
يقول الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم: { وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ } (القلم:51) أي: يعينونك بأبصارهم.
قال ابن كثير رحمه الله: " وفي هذه الآية دليلً على أن العين إصابتها وتأثيرها حقٌ بأمر الله عز وجل ".
ثم اعلموا عباد الله! أن اللقع بالعين كان في بني إسرائيل، وقد كانت العرب إذا أراد أحدهم أن يعتان أحداً تجوَّع ثلاثةً أيامٍ ثم اعتانه .
ولقد قال الحسن البصري رحمه الله: ( دواء من أصابته العين أن يقرأ هذه الآية ).
ومما يدل على أن العين حقٌ -عباد الله- قول الخالق جلَّ وعلا: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } (الفلق:1-5) .
 قال قتادة : أي ( من شر عينه ونفسه  )
وقال ابن القيم رحمه الله: كل عائن فهو حاسد، ولما كان الحسد أعم من العائن كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن.
وقال ابن عطية : إن عين الحاسد في الغالب لاقصة، نعوذ بالله عز وجل من شرها.
ومن لطائف هذه الآية عباد الله! أن بعض العامة يقولون للحاسد إذا نظر إليهم: الخمس على عينيك! ويشيرون على الأصابع الخمسة، وهذا غلطٌ بيِّن، إذ المراد بالخمس: هي آيات سورة الفلق، إذ كلها خمس آيات.
أيها المسلمون! لقد جاءت السنة مؤكدةً للقرآن ومفسرةً له، ولقد قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه في ذلك: "  العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا " رواه مسلم .
والمعنى: إن طلب من أحدكم أن يغتسل لمن أصابه بالعين فليجب.
وقال صلوات الله وسلامه عليه: " استعيذوا بالله من العين، فإن العين حق " رواه الحاكم وابن ماجة .
كما صح عند أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن العين لتوقع بالرجل بإذن الله، حتى يصعد حالقاً: فيتردى منه " ومعنى يصعد حالقاً أي: يصعد مكاناً مرتفعاً ثم يتردى منه بسبب العين.
وقال صلوات الله وسلامه عليه مرةً لـأسماء بنت عُميس  : " مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة -أي: نحيفة- يصيبهم الحاجة؟ قالت: لا. ولكن العين تسرع إليهم، قال: ارقيهم، فقالت: فعرضت عليه، فقال: ارقيهم " رواه مسلم .
ثم اعلموا عباد الله! أن العين عينان: عينٌ إنسية، وعين جنية.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم: " يتعوذ من الجان، ثم من أعين الإنس، فلمَّا نزلت المعوذتان أخذهما وترك ما سوى ذلك " رواه الترمذي و ابن ماجة .
ثم إن المرء بذاته قد يُعين نفسه إذا رأى منها ما يُعجبه، واستقى أهل العلم ذلك من قوله: { وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ } ( الكهف:39 )  .
ولقد ذكر الفقهاء -رحمهم الله- أن من عُرِفَ بالعين؛ فإن الإمام يحبسه ويجري له ما ينفق عليه إلى الموت.
قال ابن القيم رحمه الله: وهذا هو الصواب قطعاً، وما ذاك -عباد الله- إلا لعظم هذا الأمر وخطورته في المجتمع وإهلاك الأنفس به، وهدم الأسر والبيوتات، مما يدل بالتأكيد على أن العين حق، لا لعلها وكفى الله المسلمين شرها.
أيها الناس! في حضارتنا المعاصرة كثر المثقفون، وشاعت المعارف الذكية، في حين أن البعض منها مقطوع الصلة بالله وبشرعه، والإنسان مهما قوي فهو ضعيف، ومهما اتسع تعلمه فعلمه قاصر، وحاجته إلى شريعة ربه والوقوف بالتسليم لنصوصه أشد من حاجته إلى الماء والهواء، فما أعظم نعمة الدين الصحيح والعقل الصريح! فلا دين بلا عقل، إذ لا تكليف حينئذٍ ولا عقل بلا دين إذ { إِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } ( الحج:46) .
ولقد برزت طائفة من المعنيين بالطب وفنونه، ممن قلَّ نصيبهم من نصوص الشارع الحكيم، فأبطلت أمر العين، وادَّعت كاذبةً أنها لا تعدوا كونها أوهاماً، وأطياف خيالٍ لا حقيقة لها.
ولا غرو -أيها المسلمون- أن يضل أمثال هؤلاء وقد قال ربنا جلَّ وعلا: { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى } ( طه:123) ، { وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } ( العنكبوت:3) .
الحسد والتحاسد مجمع الآفات
دلالة الكتاب والسنة على أن العين حق
أنواع الإصابة بالعين
ضلال بعض الناس في إنكار العين
دفع العين بين المشروع والممنوع
أيها المسلمون! إن أمر العين غير خافٍ على كل ذي لبٍ متجرد، وهذه حالٌ غير مستنكرة البتة، وإنما المستنكر -عباد الله- أن يكون المتفاعل معها كالمستسمن غير سمن، وكالمستبعد غير غرب، إذ ظن بعض السُّذَّج أن ليس للعين سبيل إليهم بمجرد أن يعلق تميمة أو ودعة، أو ناباً، أو تعاويذ ورقى ملفقة ينسجها لهم أدعياء الكهانة والشعوذة، يخدعون بها الرعاع، أو يدعون أن لهم خصوصية في نفع رقاهم وتعاويذهم؛ لأخذهم العهود على شيوخٍ أو أصحاب طرقٍ.. أو نحو ذلك مما لا أصل له في الدين، بل هو بدعة وضلالٌ مبين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " رواه أحمد و أبو داود .
والتمائم: شيء يُعلَّق على الأولاد عن العين .
وقال صلوات الله وسلامه عليه: " من تعلَّق شيئاً وُكِلَ إليه "رواه أحمد و الترمذي ، والتعلق يكون تارة بالقلب؛ كالاعتقاد في قراءة الشيخ الفلاني، أو التعلق بها من دون الله، أو أنها شافية.. أو نحو ذلك.
ويكون تارة بالفعل؛ كمن يُعلِّق تميمة أو خيطاً أو نحوهما لدفع العين أو دفع الضر.
ويكون تارة بهما جميعاً -أي: بالقلب والفعل- فمن تعلَّق بالله وأنزل حوائجه به، والتجئ إليه، وفوَّض أمره إلى ربه كفاه وهداه، وقرَّب إليه كل بعيد، ويسَّر له كل عسير.
ومن توكل بغيره أو سكن إلى رأيه وعقله وتميمته ودوائه، وكله الله إلى ضيعة، فما ظنكم -عباد الله- بمن تعلَّق بغير الله، بل ما ظنكم بمن وكله الله إلى نفسه أو إلى غيره من المخلوقين، أترونه ناجياً أم هالكاً { أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (الملك:22) .
والله -سبحانه وتعالى- هو الذي تعلق عليه الآمال { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } ( الطلاق:3) .
{ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا }) إبراهيم:12) .
إن العجب كل العجب! في أولئك المصابين بالعين حين يستبدلون الرقى والعزائم الشركية، بالرقى والعزائم الشرعية، جاهلين أو متجاهلين خطورة هذا المسلك والهوة السحيقة التي تقذفهم إليها تبعاته .
 قال القرافي في فروقه عن ألفاظ الرقى: وهذه الألفاظ منها ما هو مشروعٌ؛ كالفاتحة والمعوذتين، ومنها ما هو غير مشروع؛ كرُقى الجاهلية و الهند وغيرهم.. وربما كان كفراً، ولذلك نهى مالك وغيره عن الرقى العجمية لاحتمال أن يكون فيه محرم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: نهى علماء الإسلام عن الرقى التي لا يفهم معناها؛ لأنها مظنة الشرك، وإن لم يعرف الراقي أنها شرك، فعن عوف بن مالك الأشجعي قال:  "كُنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله! كيف ترى في ذلك، قال: اعرضوا عليَّ رقاكم -ولا بأس في الرقى- ما لم يكن فيه شرك "   . رواه مسلم .
فكل اسم مجهول لا يجوز لأحدٍ أن يرقي به فضلاً عن أن يدعو به، وأما جعل الألفاظ الأعجمية، أو الحروف المقطعة شعاراً للرقى فليس من دين الإسلام، كقول أرباب الدجل في رقاهم وتعاويلهم (كركدن ده ده شراهيا جلَّ جلود) وأمثالها مما هو دجلٌ فوق دجل، وخرافة فوق خرافة مما ليس من دين الإسلام في شيء، بيد أن كثيراً من الناس في هذا العصر قد كبا كبوة مثيرة، وزل زلة خطيرة، فجمهورهم قد أصابهم لوثات هذه العلل مذ أسلموا عقولهم لأيادي الهدي التي لبَّست قفاز التدين، واستطاعت من وراء هذا القفاز أن تصافح كثيراً من ضعاف النفوس؛ بسبب تخلفهم وإبان غفلة من علمائهم وأولي الأمر منهم.
فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولسان حالهم يقول: وداوني بالتي كانت هي الداء، فزادوهم مرضاً إلى مرضهم، واقتلعوا أطناب حياتهم الهانئة، فخر عليهم سقف السعادة من فوقهم، وما خذل أمثال هؤلاء إلا حينما لجئوا إلى ذئاب الظلام، وركنوا إلى هرائهم وأهازيجهم، ناسين شرعة الله وصبغته { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  } ( القصص:50)
فإذن عباد الله! يستخلص من ذلك أن الرقى تكون مشروعة إذا تحقق فيها شروطٌ ثلاثة:
أولها: ألا يكون فيها شركٌ ولا معصية؛ كدعاء غير الله، أو الإقسام بغير الله.
ثانيها: أن تكون بالعربية وما يعرف معناه.
وثالثها: ألا يعتقد كونها مؤثرةً بنفسها.
 قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: " اتفقوا على أن كل رقية وتعزيم وقسم فيه شرك بالله فإنه لا يجوز التكلم به، وإن أطاعته الجن أو غيرهم ".
وبعد -عباد الله- فإن كون العين حقاً أمر ثابت شرعاً وواقعٌ عقلاً، وحينما تظهر أمامنا هذه الحقيقة جلية؛ فإن من الأخطاء الشائعة والبلايا المعقدة؛ أن يصبح المرض بالعين شبحاً مروعاً، أو هاجساً متدلياً إلى الذهن عند كل وخزة ألم، أو نكست نفس، حتى يصل الأمر بذلك إلى درجة الوهم لدى الناس؛ فإذا ما عطس أمراء قالوا: هذه عين، وإذا أخذته سعلة، قالوا: إنها العين، وإذا ما أصيب وأبتلي قالوا: يالها من عين! حتى لقد أخذ الوهم من البعض وأمامه العين، وينام كذلك، ويصبح كذلك، وهذا هو الدواء العضال إذ لا يزيد الوهم إلا وهناً.
فاتقوا الله عباد الله! وبادروا بالرقى والأذكار الشرعية لإصابات العين، وليتق الله العائن، وليذهب من قلبه الحسد إن وُجِدَ، وإلا فليُطفئ نار إعجابه بشيء بذكر الله سبحانه، وليدفع شر عينه بقوله: اللهم بارك عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حنين  " :  ألا باركت عليه أي: قلت اللهم بارك عليه"  .
أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

اكتب تعليق

أحدث أقدم