أخلاق النبى محمد
صلى الله عليه وسلم
إزاء الحملة الشرسة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،
وبعيد عن السياسة والسياسيين ، والتفريط والإفراط ، فديننا دين الوسطية ، دين يحرم
سفك الدماء ، حتى دماء أهل الكتاب .
لذا فقد قررت أن اقدم هذا البحث فى أخلاق النبى محمد صلى
الله عليه وسلم ، حبا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودفاعا عن حبيبا
محمد صلى الله عليه وسلم
.
وإن كنت
أظن انى احقر من ان ادافع عنه صلى الله عليه وسلم ، فمن انا حتى ادافع عنه صلى
الله عليه وسلم ، وهو الذى مدحه ربه جل
وعلا ووصف خُلقه قائلا : { ن وَالْقَلَمِ
وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ
لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ( القلم: 1-4) .
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً وأكرمهم وأتقاهم ،
عن أنس رضي الله عنه قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس
خلقًا" - الحديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي.
تعريف الاخلاق
لغــة
واصطــلاحــــا
أولاً
: الأخلاق لغــة :
الأخلاق
فى اللغة جمع خلق ، والخلق إسم لسجية الإنسان وطبيعته التى خلق عليها ، وهو مأخوذ
من مادة ( خ ل ق ) التى تدل على
تقدير الشئ .
يقول
ابن فارس : ومن هذا المعنى ـ أى تقدير الشئ ـ الخلق : هو السجية لأن صاحبه قد
قُدَّر عليه . يقال : فلان خليق بكذا: أى قادر عليه وجدير به، وأخلق بكذا أى ما
أخلقه ، والمعنى هو ممن يقدر فيه ذلك ، والخلاق : النصيب لأنه قد قدر لكل أحد
نصيبه (مقاييس اللغة ، أحمد ابن فارس (2/214))
ويقول
ابن منظور : الخُلُق : السجية .. فهو بضم الخاء وسكونها الدين والطبع والسجية.
ثم
يفسر ذلك بقوله : وحقيقته، أنه لصورة الإنسان الباطنة، وهى نفسه ، وأوصافها
ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها ولهما أوصاف
حسنة وقبيحة ( لسان العرب لابن منظور ( 2/ 244 - 245 ) ) .
وقال
الراغب الأصفهانى : الخَلْقُ والخُلُق فى الأصل واحد لكن خص الخَلْقُ بالهيئات
والأشكال والصور المدركة بالبصر ، وخص الخُلُقُ بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة .
والخلاق
: ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه قال
تعالى : ( مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ
)
(المفردات
فى غريب القرآن ، الراغب الأصفهانى صـ164 ) .
والخلاق
أيضاً قيل : النصيب ، وقيل : الدين ، وقيل : القوام ، وقيل الخلاص ، وقيل القدر (تفسير
البحر المحيط ، لابن حيان (1/503)).
قال
سبحانه : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) والخلق هنا ـ كما يقول الطبرى ـ
الأدب العظيم ، وذلك أدب القرآن الذى أدبه الله به وهو الإسلام . وعن مجاهد فى
قوله " خلق عظيم " قال : الدين .
وعن عائشة رضى الله عنها : عندما سئلت
عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : كان خلقه القرآن "
(أخرجه مسلم مطولاً ح (746)
قال
قتادة : تقول : كما هو فى القرآن .
ثانياً
: الأخلاق اصطلاحاً :
قال
الجرجانى : " الخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة يصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر
من غير حاجة إلى فكر وروية ، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة
عقلاً وشرعاً بسهولة سميت الهيئة : خُلقاً حسناً ، وإن كان الصادر منها الأفعال
القبيحة سُمَّيت الهيئة التى هى مصدر ذلك خلقاً سيئاً ، وإنما قلنا إنه هيئة راسخة
لأن من يصدر منه بذل المال على الندور بحالة عارضة لا يقال خلقه السخاء ما لم يثبت
ذلك فى نفسة " (التعريفات للجرجانى صـ104 )
ويذهب
الجاحظ إلى " أن الخلق هو حال النفس ، بها يفعل الإنسان أفعاله بلا روية ولا
اختيار ، والخلق قد يكون فى بعض الناس غريزة وطبعاً ، وفى بعضهم لا يكون إلا
بالرياضة والاجتهاد ، كالسخاء قد يوجد فى كثير من الناس من غير رياضة ولا تعمل ،
وكالشجاعة والحلم والعفة والعدل وغير ذلك من الأخلاق المحمودة " (تهذيب
الأخلاق ، للجاحظ صـ12)
ولكن
الإمام ابن تيمية كان أكثر شمولاً فى تعريفه للأخلاق حيث ربطها ارتباطاً وثيقاً
بمفهوم الإيمان حيث أن مفهوم الأخلاق يقوم على عدة عناصر هى :
1ـ
الإيمان بالله وحده خالقاً ، ورازقاً بيده المُلك ( توحيد الربوبية ) .
2ـ
معرفة الله سبحانه وتعالى ، معرفة تقوم على أنه وحده ـ سبحانه ـ المستحق للعبادة (
توحيد الألوهية ) .
3ـ حب
الله سبحانه حباً يستولى على مشاعر الإنسان ، بحيث لا يكون ثمة محبوب مراد سواه
سبحانه .
4ـ
وهذا الحب يستلزم أن يتجه الإنسان المسلم نحو هدف واحد هو تحقيق رضا الله سبحانه ،
والالتزام يتحقيق هذا الرضا فى كل صغيرة وكبيرة من شئون الحياة .
5ـ
وهذا الاتجاه يستلزم من الإنسان سمواً عن الأنانية وعن الأهواء ، وعن المآرب
الدنيا ، الأمر الذى يتيح له تحقيق أو الاقتراب من الرؤية الموضوعية والمباشرة
لحقائق الأشياء ،وهذه جوهرية فى الحُكم الخلقى.
6ـ
وعندما تتحقق الرؤية المباشرة والموضوعية للأشياء والحقائق ، يكون السلوك والعمل
خُلقاً من الدرجة الأولى .
7ـ
وعندما يكون العمل خُلقاً من الدرجة الأولى ، نكون ماضين فى طريق تحقيق أو بلوغ
الكمال الإنسانى (النظرية
الخلقية عند ابن تيمية ، محمد عبد الله عفيفى صـ58ـ59)
إرسال تعليق